" أعذب القصيد من القديم والجديد "

التقديم

هذا ديوان شعري مُخاتل، يوهم عنوانه بأنه من دواوين الاختيارات الشعرية، وأن ما قد اختاره الشاعر فيه إنما هو من روائع الشعر القديم وعيون الشعر الجديد. ولكن إذا دلفنا إلى ما بعد العنوان أو إلى ما وراءه ألفيناه من دواوين الاختيارات الشعرية بالفعل، بيد أنه على خلاف المعهود من هذه المختارات. فالمألوف فيها أن يعمد الشاعر، أي شاعر، إلى مدونة الشعر العربي فيختار منها، سواء بشهوته أو بعقله، ما راق له من الشعر، أو ما وافق منه ذائقته. وما يخالف هذا المألوف في هذا الديوان أن هذا الشاعر نفسه قد عمد إلى أشعاره هو لا إلى أشعار غيره، فاختار ممّا قد نظمه في فترة مبكرة من حياته، قد تزيد عن ثلاثين عاما، أعذبه، فعدّه قديما، وما قد نظمه قبيل نشر الديوان ببرهة وجيزة فعده جديدا، واختار من ذلك كله- القصيد- أعذبه وأجوده.

وتشير عملية الاختيار بحد ذاتها إلى أن الشاعر مُكْثر في الشعر، ولقد صدر له قبل هذا الديوان ديوانا شعر. وتشير -وهذا هو الأهم- إلى أن تجربة الشاعر متنوعة، وأنه شاعر متمّرس بقول الشعر، بصيرٌ بطبيعته وخبيرٌ بعوالمه، وناظمٌ له في غير ما شكل من أشكاله، وإن كانت القصيدة العمودية هي المهيمنة على قصيده بصورة عامة.

قد تتعدد الأغراض التي ينظم فيها الشاعر شعره، وقد نعدّ منها ما هو ذاتي محض، كما في قصائده" مدرستي" "وابني تخرج" و"لا يا بني" و"سرقوك يا هوندا" و" تحية للأخ جواد". وكما في غزلياته أو وجدانياته التي تغلب على شعره في هذا الديوان، والتي تمثلها قصيدة " إني عشقتك واتخذت قراري" و" غزاني الحب" و" أعيدي القلب أو روحي" و" اسأليني" و" وعدتني" و" أحلى الليالي".

وقد نعد من هذه الموضوعات ما هو موضوعي بحت، وقد نمثّل لهذا النوع بوطنياته كما في قصيدة" وطني" أو اجتماعياته كما في قصيدة " واقع الحال أم المُحال" وقصيدة " الإصلاح والتغيير" أو وصفياته كما في قصيدة "الشتاء" أو قومياته كما في قصيدة " افخر يا عربي وتبختر" و قصيدة "حمزة الخطيب يستصرخكم" و قصيدة" يمان القادري إني حزين" وقصيدة " حكاية شعب يقتل" وقصيدة " في ذكرى النكبة عذرا يافا". وقد يتجاوز الشاعر هذه الأغراض لينظم فيما يمكن أن اسميه " ردِّياته" التي يرد فيها على متذوقي أشعاره ممن يزورون موقعه أو يلقونه في المنتديات الثقافية التي كان قد نشر وما يزال ينشر من خلالها أشعاره، كما في قصيدة " أيكفي الشعر يا غادة". وقد ينظم الشاعر فيما يخرج عن ذلك كله، كأن ينظم في جامعة اليرموك التي احتضنته -وما تزال تحتضنه- أيام كان طالبا على مقاعد الدراسة، وأيام صار -ولم يزل- إلى مدرس فيها كما في قصيدته " دلائل الظفر" وقصيدته " قسم الصحافة والإعلام في عامه الرابع عشر". وقد ينتهي الأمر بالشاعر إلى أن يصوغ تجربته في الشعر في قصيدة خاصة هي قصيدته , "درس في كتابة الشعر".

ومهما تكن الموضوعات أو الأغراض التي ينظم فيها الشاعر أشعاره فإنه يستقي موضوعاته من واقعه، ويستوحيها من بيئته، الأمر الذي يضفي عليها قيمة. وتتزايد هذه القيمة عندما يوظف الشاعر خبرته في نظم الشعر في تقديم هذه الموضوعات الحيوية على هذا النحو الشعري المؤثر.

لقد جاءت لغة الشاعر على مستوى الكلمة والصورة بسيطة واضحة، لا غرابة في كلماته، ولا التواء في تراكيبه، ولا غموض في معانيه، ولا تكلف في صوره أو أخيلته، بإيجاز فإن في حيوية موضوعات الشاعر، وفي سهولة كلماته، ووضوح معانيه، وعفوية تصاويره، وسلاسة أوزانه وقوافيه ما يكسب شعره خصوصية، وبإيجاز أشد، فإن في ذلك كله ما يُفسّر سرّ عذوبة قصيده وجودته.

والله المستعان

أ.د. قاسم محمد المومني

2013/2/18