صناع الفساد, والتغيير المنشود

سألني صديق, كيف تقيّم الفساد في واقعنا وديارنا وعالمنا ؟ فابتسمت قليلا , ثم أطرقت راسي حزينا , ورجعت في ذاكرتي الى مخزونها , وللسنين الخوالي ونظرت للحاضر وربطته بالماضي واستنتجت وتأملت بالمستقبل.

قلت له:يا أخي الفساد يعيش بين ظهرانينا يدير حالنا واحوالنا نتنفسه مع الهواء ونحتسيه مع الشراب . وهو بازدياد ولن يتغلب عليه أحد في المدى المنظور .للفساد أرض خصبة ,وله رؤوس شامخة بغيّها , لا تنحني ولا تتورّع ولا تعرف مخافة الله .طمس على قلوبهم.وله صنّاع مهرة اكتسبوا مهارة تم تطويرها مع السنين حتى أصبحت وكأنها تسري بدمائهم , ولهم حواضن وأعوان وأنصار ومطبلين ومزمرين ومعجبين .

صمت صديقي , بل بقي مطرقا رأسه يستمع ولكن بألم, وحيرة وحزن وأسى.ثم تابعت وقلت:لقد كتبت عن تمثيلية التسجيل للإنتخابات البرلمانية وما رافقها من زوابع, لإيهام الناس بأن الإقبال منقطع النضير, وإنه لامثيل سابق له . وقد تبنت وجهت النظر هذه مؤسسات وشخصيات تبنت هذا المنظور.وهو في الواقع لم يكن سوى زوبعة بفنجان أو فقاعات بالهواء .

ثم كتبت عن الإنتخابات البرلمانية قبل يوم من اجرائها , ورغم تشكيل ما سمي بهيئة اشراف - ذات احتراف – فقد أشرت الى انه سيعود للقبة نفس الشخوص والواجهات ونفس الرموز ونفس اصحاب المواقف التي تتبنى الفساد وتدعمه وتحميه وتدافع عنه وترعاه وتتبناه بكل ما أوتيت من قوة .في حين قالوا وتبجحوا أن الإنتخابات ستكون نزيهة وشفافة وديمقراطية . ولكن ما توقعته هو الذي حدث .وهناك من يزعم ان الإنتخاب كان هو الأسوا مقارنة مع ما سبق .

وكنت كتبت عن مسرحية المشاورات وما بدا للمراقب بأن هناك مشاورات جادة وحقيقية للوصول الى تسمية رئيس حكومة جديد يقود المرحلة القادمة .وبعد تكتلات ومشاورات واتهامات ونزاعات وسحب مسدسات وقذف بالمتكات استنسخ البرلمان وعاد بنفس الرئيس. وطبعا مسيرته بين الوزارات والبرلمان ربما تتجاوز الأربعين عاما – وهو يمثل النهج الإصلاحي المرتجى والتغيير المنشود –  وتؤكد بعض المصادر ان النواب الكرام  قد حصلوا  خلال المشاورات على زيادة برواتبهم تصل  مبلغ 500 دينار شهريا أعطيه وهدية مامن وراها جزيّه, وهو أول انجاز ومكسب يحققوه , وقد يكون هذا وراء تسميته لرئاسة الحكومة الجديدة .فهل أدركت ياصديقي ما وجه الإصلاح والتغيير المنشود ؟

لقد تم تكليف نفس الرئيس الذي اسهم لحد كبير بعودة نفس الوجوه للبرلمان . وعند بدء مشاوراته لتعيين الوزراء – وهي حلقة جديدة من ظمن الحلقات المتسلسلة التي سبقت –ألمح الى انه سيبقي خمسة وزراء من حكومته السابقة في الحكومة الجديدة - وبالطبع هي الحقائب التي تعتبر العمود الفقري بالتشكيلة الجديدة وهذا يعني استمرار للحال, وهو ما تنبأت به واشرت اليه في مقال سابق.

تلك هي معالم التغيير والإصلاح المنشود يا صديقي العزيز . وبعد غد ستبدا حلقة أخرى في الإنتخابات المزمعة للبلديات . وستتكرر حلقة البرلمان عند تشكيل المجالس البلدية شبه المعينة سلفا.

فانتحب صديقي تألما, وغادر وهو يردّد : يا الله ماهذه الحال ! وما هذا المئال ؟أهذا هو الإصلاح والتغيير المنشود ؟لا حول ولا قوّة إلاّ بالله . اللهم عليك بالفاسدين والمفسدين والمتعاونين,يامن تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور .

*******

13/3/2013