تقديم ديوان قصائد للوطن
قدمه معالي الأستاذ طه الهباهبه
التقديم
قالوا نراك حزينا يا مؤانسنا
يا شاعر الوجد يكفي اليوم أحزان
أبدو حزينا وهذا من تباعدنا
لكنْ أطلت وإنّي الآن جذلان
يا فرحة العمر يا سعدي بلقياها
زاد الوئام وكم في البعد أشجان
الله جمّل ما فيها وأبدعها
حتى تبدّت بحسنٍ فيه اتقان
في اللغة وجد به وجدا: أحبّه
:شغف به
:أحبّه حباً شديداً
: أرّقه الوجد .. الحب
وللوجد مراتب هي :التواجد , والوجد والوجود, وهي المرتب العليا والأخيره.
أما في الحياة فشاعر الوجد :هو شاعر الحب.وشاعر الوجد هو المقدم المتقاعد الدكتور شفيق ربابعه – ابن جديتا – المنطقة الساحرة في جمالها وتضاريسها.ولا غرابة في ذاك فالانسان ابن بيئته كما يقولون,وكما قالت دواوين الشعر التي تشهد بمثل تلك النماذج.وهذا ما نلحظه في كلّ قصائد الشاعر الوصفية البديعة والتي تترجم جمال عجلون الرائع وما حولها.
هذي جديتا بلدتي يا معشقي ,, فيها ولدتُ وحبها أغناني
رمز الجمال يفوح منها عنبرٌ,, هي في الحقيقة قمّة التحنان
أرض الشمال ببهجةٍ وحفاوةٍ ,, أرض الجدود تعجّ بالايمان ص( 21 )
هذا الجمال الرباني عرفته وخبرته خلال جولاتي في محافظة عجلون ,وعشقت أهلها وقلعتها وجبالها وأوديتها, عنبها,تينها ورمانها,ولكنني للأسف لم أتعرّف على الشاعر الربابعه وجاهةً,ولكنني سمعت به وقرأت له قصائد رائعه على وسائل التواصل الإجتماعي,حتى عرّفني به صديق مشترك,فسعدت به في استديوهات الإذاعة الأردنية عندما شرّفني ليكون ضيفي في برنامج (أدب وفكر).وسرعان ماالتقت القلوب على محبّة الأردن وترابه وتاريخه وتراثه,وأدركت أنّ بيننا قواسم مشتركه كثيره وكلّها تحوم حول أسوار الوطن وساحاته وأماكن الجمال فيه.
يا أردن الخير الوفير تحيّة
حبي إليك يغور في الوجدان
أهوى النسيم وفي ذراك متيّمٌ
والشيح والدحنون في أشجاني
إنْ غبتُ عنك فلا أحسّ براحة
وثراك عندي خيرة الأوطان
إنّ المتتبّع لقصائد الدكتور شفيق لا بد أن ترسله إلى حقيقة هامةٍ,ألا وهي عشق هذا الرجل لكلّ شبرٍ من ثرى هذا الوطن, وعشقه للبطولة والشجاعة والشهادة,وهذا أمر طبيعي ,فمن معدنه يُعرف الذهب فهو الجندي الذي خبر حياة الأبطال ومواقفهم وشوقهم إلى الشهادة في سبيل الوطن,والتي جعلت من صوره الشعرية وأخيلته ولغتها المحلّقة في الذرا تاركة للقاريء صنع أجنحةٍ من الخيال كي يحلّق خلفها محاولا اللحاق بها.ولكن هيهات....يقول:
من كالشهيد مكرّمٌ ومبجّل
عند الإله مكانه يتأمل
الله أكرمه فأحيا روحه
وسط الجنان بعيشه يتدلّلُ
أرقى المنازل للشهيد وإنه
رغم الوفاة فروحه لا ترحل
لا تحسبوا الشهداء أمواتاً غدو
في برزخ ذا عيشهم متواصل ص ( 14 )
تلك المقتطفات كانت من قصيدة بعنوان (منزلة الشهيد),أما المقتطفات الأولى فكانت من قصيدة بعنوان (ربوع الأردن),وهي قصيدة ذكّرتني ببرنامج كنت أعدّه للتلفزيون الأردني أعوام 1977-1978 ,والذي طوّقت من خلال حلقاته أرجاء الأردن باحثا عن التاريخ والتراث والغناء والجمال.
هذه الروح الوثّابة التي ينعشها هواء الأردن ,هي بلا شك امتداد لفكر مدرسة الوطن الأولى التي أسّسها شاعر الأردن غير مدافع(مصطفى وهبي التل) ذلك الشاعر المجبول بتراب هذا الوطن,وتحت ظلال مليك هاشمي شاعر ومؤرّخ هو جلالة الملك المؤسّس المرحوم (عبدالله بن الحسين) صاحب البلاط المشهور الذي كان ملاذا لكبار شعراء وكتّاب وأدباء الأردن وفلسطين وسوريا ولبنان والعراق.تلك المدرسة التى تتلمذ فيها أيضا:حسني فريز,ضياءالدين الرفاعي,سليمان المشيني,ابراهيم المبيضين ونايف أبو عبيد وغيرهم الكثير.
ويقودني الحديث إلى أوجه الشبه المتعدّدة بين (شفيق الربابعه وعرار),فهما من أبناء الشمال الحبيب,وهما صوتٌ حقيقي للدفاع عن الأردن وثراه, وهما خير من تغنّى بجماله وبتاريخه وبالانسان فيه.هذا الإنسان الأردني الذي عاش مئات السنين وهو يقدّم للإنسانيّة ألواناً من الفنّ والأدب والحضارة ما زالت شامخة حتى اليوم.
أعترف أن الرجال يعرفون قيمة الرجال, وهذا مالمسته في قصائد الدكتور شفيق التي تحدّث فيها عن عرار ذاكراً مناقبه وأثره في الحياة الثقافيّة والسياسية والإجتماعية,فهو يقول:
لم تسع للكرسيّ تلهث نحوه
وإذا جلست عليه ما أنساك
مستضعفاً ضاقت به أحواله
حالت عليه شباك من عاداك
كم مرّةٍ نُحّيت دون تقاعس
إلاّ لأنك تبهت الأفّاك
قد عشتَ للأردنّ في سكناتكم
في كلّ مسعى منشدا إيّاك ص ( 118 )
ولعلّ زيارة الشاعر لقبر (عرار) قد أثارت شجونه وأحزانه وجعلته يتذكّر ما كان يُحذّر منه عرار, من خوف على القدس وبقيّة الديار, ولعلّ رسالة الشاعر عرار وشكواه قد وصلت إلى وجدان الشاعر الربابعه فناجاه ببعض الأبيات قائلاً :
قل لي أبا وصفي أتدري حالنا؟
ما حلّ فينا بعضه والاك
القدس ضاعت مثلما أنبأتنا
وكذا الخطوبُ تهلّلت كرؤاكَ
فاجأت قومك في رحيلٍ عاجلٍ
كنت الأليف ومن ألِفْتَ نعاكَ
إنّ القلوب على الفراق حزينةٌ
والشِعرُ بعدك يا عرار بكاكَ ص (119 )
وللشاعر الربابعه صرخات مدوّية تحذّر من المؤامرات والدسائس التي تحاك ضد الوطن العربي ومستقبله وعلى حالنا البائس الذي وصلنا إليه من تمزّق وتفكّك,وموت لروح الوطن والجماعة في نفوس أغلب الناس,فها هو يصرخ قائلا :
القدس تعرف أنّ العُرْب قد وهنوا
لا وحدةٌ أملٌ, بعض يمانعها
حتى غدونا كأعداءٍ بديرتنا
جفّت عيون إخائي من منابعها
الله ربي فحال العُرْب تحزننا
والقدس تبكي دماً هيهات نسمعها
ولكن الشاعر لا ييأس لأن الشعوب لا تموت ولا تُقهر,ما دام للحق طُلاّب ومدافعون:
يا ربّ فانصر دعاة الحقّ في وطني
وانصر إلهيَ من للحقّ ينتصرُ
وارحم رفاة جدود دافعوا وبنوا
هذي الديارَ ,وللأوطان قد عَمَروا
كماانه احب شخصية شهيد الوطن المرحوم وصفيالتل وزخر الديوان باروع القصائد التي تجلت بها عبقرية الشاعر.. والتي تدل على أن الشاعر يحب الابطال ويحترمهم.يقول من قصيدة رائعة له بعنوان (ياوصفيالتل):
ناديت وصفي, أهل في جيلنا نفرٌ?
يحذون حذوك أو ساروا بمسراك
كنتَ النصير لمن ياتيك في طَلب
كنت الاصيل وقد أُفْجِعنا لولاك
واليوم ضاعت مزايا انت صاحبها
ياحادي الركب كم نبكي لفرقاك
وفي قصيدة أخرى جميلة في ذكرى استشهاد البطل وصفي التل,ناخذ منها:
يطيب الذكر لو ناديت وصفي
لحنّ الشيحُ ,أو سجع الحمام
يزفّ لروحه لحناً شجيّاً
يقول تحيّة , ولك السلام
وأخيرا أقول أنّ جهد صديقي الشاعر الدكتور (شفيق الربابعه) مشكورا وديوانه العاشر (قصائد للوطن) مباركاً ولا يُقدّر بثمن, وأنا على يقين أنّ هذا الإبداع يستحق أكثر من كلماتي البسيطة,
وربما لا شفاعة لها عند الصديق إلاّ صدقها,ولأنّ نبع العطاء والجمال والمتعة فوق التقويم.
والله من وراء القصد
عمان في 7/6/2017
طه علي الهباهبه
