وجهّت وجهي للحجاز ملبيا = دعوى الإله لحجة في مكّة

سرنا قوافل للمقرّ لنلتقي = مَع من سيأتي كي يودّع بعثتي

جاء الشريف[2] وبث فينا خطبةً = أوصى الجموع تمسّكا برسالةِ

وتلاه مفتي جيشنا بدعائه = وكلامه المنصبّ حول عقيدتي

بُدءَ المسير بوقفة وتوقّف = بطء المسير كأنّنا بجنازةِ

عند الغروب , الأربعا سارت بنا = باصات نقل نحو أقدس بقعةِ

جزنا (المدوّر) والحدود بفرحة = في (حال عمّار ) بداية رحلتي

سِرْنا وبالإيمان يعمر قلبنا = جئنا (تبوك) وبتّ أوّل ليلة

فجْر الخميس قد اصطففت مصليّا = حصل التباس أيّ صوبٍ قبلتي

بعد الفطور مع الصباح تحرّكوا = جئنا (لخيبر) بعد (تيم ) براحة

ماذا بخيبر من دروس دوّنت ؟ = دكّ الرسول حصونهم وبقوّة

فَرِح النخيل مرحّبا بقدومنا = متهلّلا لوفود حج الكعبة

تابعت سيري (للمدينة) قاصدا = أرض المناصر والمهاجر سادتي

ودخلت (باب الشام) بعد مثلّثٍ = جئنا (ثنيّات الوداع) بفرحةِ

يا ذا (المئاذن)[3] بالمدينة إنّني = أهفو إليك, وأنْ أزورك منيتي

ما أن وصلت بقربه دمعي همى= عند اقترابي منه , زالت ظلمتي

يا من بوسْطك روضة مزدانة = قبر الرسول , وصاحبيه أحبتي

وتجمّعت كلّ الوفود بقربهم = من كلّ صوب أسرعوا للرحمة

جئت الرسول محمّدا وسألته = نيل الشفاعة واستجابة حاجتي

وذرفت دمعا في خشوع مُذهلٍ = مستغفرا ربّي ليقبل توبتي

يا ربّ اقبل توبتي وتضرّعي = واغفر ذنوبي , ثمّ أيّ خطيئةِ

زرت (البقيع) وعشت يوم بطولة = أهل الشهادة , هم رموز الشدّة

جئنا( قبا) , والشوق فينا زائد = هو مسجد , ومخلّد في آيةِ

أمر الرسول ليبتنى وبسرعة = لعبادة الباري , فألف تحيةِ

للمنشئين وللرسول وصحبه = ولأرض طهر موئل للخيرة

ودّعته وأنا أحملق كي أرى = (أُحُد)[4] الشهادة والرماة بقمّة

يا من بأرضك ضُرّجوا شهداؤها = يا خيثمه[5] هلّا مررت بحمزة

وبمصعبٍ , وبمالكٍ وبصحبهم = في جنّة الرضوان أطيب عيشة

جاء الخميس وجهّزت باصاتنا = أم القرى أبغي , لتبدأ حجّتي

في مسجد (الميقات) كانت وقفةً = فيها خلعنا للمخيط وبذلتي

ولففت جسمي في إزار أبيض = ونويت حجّا مُفردا مع أخوتي

ذاك الإزار هو الذي يبقى معي = من هذه الدنيا , لدنيا أخرتي

وتوحّدت أزياء كلّ الوافدين (م) كأنهم أبناء بعل وابنة

لا فرق بين صغيرهم وكبيرهم = ابن الغنى يبدو كإبن الفاقة

مرّوا( ببدر) واستعادوا ذكرها = يوم انتصار المؤمنين القلّة

نُصروا وبالإيمان زانت دولة = هُزمتْ قريشُ, وجمعهم ذو الكثرة

فَرِحَتْ قلوب جميع صحبي عندما = برزت لنا (أمّ القرى) من تلّة

وبدت مئاذنها, فزاد تشوّقي = هي ما نروم , وتلك بيت قصيدتي

مهوى الفؤاد و(بيت ربّي)[6] شامخ = عجبٌ عجابٌ فيه بانت دهشتي

خَشَعت قلوب الزاحفين لحسنها = ترنو الكساء , مع البناء الهيبةِ

قمنا نطوف , وبالطواف تحيّة = عند الوصول , وتلك أوّل زحمة

طُفْنا القدوم وفي الطواف ملذة = والروح تسمو فوق كلّ ملذة

يا أقدس الأحجار( أسود)[7] راسخ = في أطهر الجدران أرض مسرّة

منك الطواف لكلّ شوطٍ يبدأ = كثْر الزحام , أحال دون القُبْلَة

قلْ لي بربّك أيّ سرٍّ بيننا = حجراً أُحبّ وفيه سرّ محبّي

أنهيت أشواطي لنبدأ سعينا = أرض الطهارة باركي لي حجّتي

داهمت (زمزم) في طريقي (للصفا) = لولا الزحام لنلت أطيب شربة

جئنا لنسعى والصفا ضحكت لنا = منها بدأنا سعينا (للمروة)

سبعاً سعينا والجميع يردّدون (م) شعائر الله العظيم وسنّة

(بمقام إبراهيم) صلّى بعضنا = بمقام (إسماعيل) جئت بركعة

(عرفه) قصدنا للوقوف بأرضه = اثنان مليونا بيوم الوقفة

عرفات جئنا نختلف بلغاتنا = وبلوننا تجمع بنا التهليلة

فرِح الإله دعاءنا بتذلّل = لبيك ربّي , رحمة بالأمّة

طمعا بعفوك يا إلهي إنّنا = جئناك شُعْثا محرمين بطاعة

ورجعت للماضي أُقلّب صفحتي = فترقرقت بعض الدموع بمقلتي

ياخالق الأكوان جئتك سالكا = درب الذي نادى هلمّ لجنّي

ثبّت على الإيمان قلبي إنّني = في العيش أخطيء, أنت وحدك عصمتي

عند الغروب بدا انسياب وفودنا = في موكب زاهٍ بأبهى حُلّةِ

(للمزدلف)[8], بعد الغروب جموعنا = وصلت , وغصّت أرضها بالأخوة

منها أخذنا ما أردنا من حصىً = كي نأتِ إبليس اللعين بضربة

جئنا (منى) لنبيت فيها ليلة = ونباكر الإبليس رمي الجمرة

وتحلّل الحجاج بعد الجمرة (م) الأولى وعادوا للمخيط بخفّة

عدنا لمكّة , كي نطوف إفاضة = ركن الإفاضة لا يجوز بفدية

جئنا منى بعد الإفاضة كونهُ = بعد الزوال , تتمّ ثانيَ رمية

ثم الأخيرة [9], وهي آخر منسك = للحج , ثمّ نقوم بعد بعمرة

قبل الإفاضة قد لبست ملابسي = قبل اعتماري , عدت ألبس وزرتي

في(مسجد التنعيم) أحرم جمعنا = ثمّ استدرنا عائدين لمكة

طفنا , سعينا والجموع برهبة = تدعو الإله لرحمة وشفاعة

جاء الختام لكي أطوف مودّعا = من لي ببيت في جمال الكعبة !

فتثاقلت قدماي حول جدارها = رَغبتْ بقائي قربها لنهايتي

وسألت ربّي أنْ أعود بحجّة = أخرى وأخرى مااستطاعت قدرتي

يا أخوتي الحجّاج بورك حجّكم = قبل الإله لحجّكم ولحجّتي

عدتم وعاد القلب أبيض طاهرا = والله ينصر ديننا وقضيّتي

***************

 


[1] . في عام 1977 , شاركت في بعثة الحج العسكرية . وقد نظمت هذه القصيدة في طريق الذهاب والعودة , واصفا المعالم والمشاعر خلال الرحلة.

[2] . الشريف زيد بن شاكر , قائد الجيش آنذاك

[3] . المسجد النبوى.

[4] . جبل أحد , وتذكر غزوة أحد

[5] . أسماء بعض شهداء غزوة أُحُد

[6] . الكعبة المشرّفة.

[7] . الحجر الأسود .

[8] . المزدلفة .

[9] . رمي الجمار الثالثة والأخيرة .