عذرا يا عيد لا تقترب

أثخَنتْنا الجراح, فهل القتل مباح ؟

أقترب العيد, فطافت بي الذكرى , وعادت بي إلى بداية

الخلق ومقتل هابيل على يد أخيه قابيل.وهما اثنان أخوان من أب وأم.استوقفتني الحادثة طويلا, وقلت في نفسي سبحان الله , أهذا ايذان بأن يكون القتل بين بني البشر أمرا منتهجا وسلوكا معهودا! آلمتني الحادثة كوني أرى بها ظلما بيّنا بين بني البشر.

ومرّت بي الذاكرة إلى قصة يوسف وغدر أخوته , والدلالات التي تنطوي عليها الحكاية أو القصة.وطافت بي الذكرى مسرعةً الى حادثة مقتل الفاروق , أمير المؤمنين- عمر بن الخطاب – رضي الله عنه , رمز العدل في تاريخ الوجود وعبر القرون.ارتعدتُ سخطا وأنا أرى أبا لؤلؤة المجوسي - صانع الرحى - وهو يهجم على عمر , الخليفة العادل , أثناء صلاة الفجر وهو يصلي بالناس. الله أكبر, يد الكفر تطال عمر وهو في المحراب , حيث سقط مغشيا عليه.لينقل إلى بيته. وعندما أفاق سأل ؛أصلى الناس؟فقالوا نعم.فقال الحمد لله " لا إسلام لمن ترك الصلاة".لم يسأل عن ميراث أو مال, أو ولدٍ أو مصلحة ورصيد وهو في حالة نزاع شديد يلفظ آخر أنفاسه.لله درك يا عمر , وكأن الصلاة كانت آخر وصيتك للناس.

واستعجلتُ الذكريات , ومررت بحادثة مقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه , وما تلا ذلك من مسلسلات قتل للحسين بن علي رضي الله عنهما وغيرهم من أمّة الاسلام . قلّبت مسلسل ذكريات القتل بنفسي , واكتفيت بما تجرّعته من آلام, وفتحت بابا من بطولات , ورافقت طارق ابن زياد وهو يعبر المضيق الذي سمي باسمه لفتح بلاد الاندلس , كي ترى أوروبا النور من بوابة الفتح الإسلامي.واستعرضت الحظارة والتقدم والرقي في بلاد الأندلس خلال حقبة امتدت لسبع قرون .

وفي تلك الفترة , يبدأ الصراع بين العباسيين والأمويين على الخلافة في المشرق العربي , ويقابل ذلك ضعف وصراع بين الحكام في بلاد الأندلس لتأتي نهاية حقبة الإزدهار الإسلامي في تلك الديار.

فخرج أبو عبدالله محمد بن الأحمر الصغير , آخر ملوك المسلمين في غرناطة مودّعا القصر الملكي الكبير.نظر إلى القصر , وعزّ عليه الخروج منه – وكأنّ خسارته للقصر هي الخسارة الكبرى- فبكى عليه حتى بلّل الدمع لحيته .نظرتْ إليه أمه " عائشة الحرّة " وقالت له :" أجل, فلتبك كالنساء مُلْكاً لم تستطع أن تدافع عنه كالرجال" , وكان ذلك عام 897 هجري الموافق 1492 ميلادي.وحينها تعرّض ما تبقى من المسلمين في بلاد الأندلس إلى أشد أنواع التعذيب والقتل والحرق , مع اجبارهم على ترك دينهم وتحويل ما تبقى من المساجد إلى اصطبلات او كنائسومبان لغايات أخرى.هؤلاء هم أجداد الفرق الرياضية التي نشجعها ونقتتل على تشجيعها ونلبس علمها ونفاخر بها حيث نقول مدريدي وبرشلوني , ونردد وبفخر أسماءها وما شابهها من أسماء.فجيلنا مثقف رياضيا , ولكنه لا يقرأ التاريخ.كم آلمني سقوط الأندلس وما تبع ذلك من خور وضعف في بلاد العرب والمسلمين.

وانتقلت بي الذكرى إلى اتفاقية سايكس بيكو, ونهاية الخلافة العثمانية وحكمها للوطن العربي , ليبدأ تقسيم الوطن إلى دويلات تابعة إلى هذه الجهة او تلك.ويبدأ مسلسل قدوم اليهود وتهجيرهم إلى فلسطين – بتشجيع ودعم وتسليح من دولة الإنتداب البريطاني – ووعد بلفور المشؤوم , ومذبحة دير ياسين وتشريد الكثيرين من أهل فلسطين وظهور اسرائيل على خارطة المكان.وما تبع ذلك مما أسموها الحروب , سواء عدوان عام 1956 على مصر أو حرب حزيران عام 1967 وسقوط الضفة الغربية والقدس والأقصى تحت الإحتلال اليهودي, وسقوط سينا والجولان أيضا تحت الاحتلال أو غيرها من الحروب التي تلت وكانت نتائجها محزنة وقاسية.

تمنيت يا عيد ان تقف بي الذكرى هناك لأستقبل قدومك بفتور على الأقل , وأسألك يا عيد عن حال الأمة وكيف تنظر إليها بعد احتلال القدس والأقصى الشريف وما يتعرض له من عدوان وأعمال حفر تحته تمهيدا لهدمه.تمنيت أن لا أذكر شيئا بعد ذلك , ولا تطوف بي الذكرى لتدمير واحتلال العراق وقتل الملايين وتشريد الأهل.تمنيت ان أتوقف عند ذلك ولا أرى كيف قسّمت السودان الى شمال وجنوب تحت ما يسمى حق تقرير المصير واتفاق جوبا وحال دارفور .أقبلت أيها العيد والفساد يقض مضجعي في كثير من الأوطان.أتيت يا عيد والصومال يشهد حربا تدميرية بين الأخوان والناس يعيشون ظروفا قاسية وصعبة والقتل على أشده.أتيت على وطن فيه القتل والتدمير والإغتصاب للحرائر ليل نهار , ولم يسلم منه لا الأطفال ولا النساء ولا الكبار حتى ولا الأنعام أوالطيور الداجنة.أقبلت يا عيد ولا ترى ما يجري في بلاد الشام, ولم يثنك عن المجيء كل تلك الصراعات, ولا حال مصر منذ زمن السادات , أو ماتم في تونس وليبيا من اغتيالات وحال دول الخليج وما تنتتهي أموال البترول والمحروقات , والفوارق بين الشعوب بالمستويات.ألم يهزّك ما يجري في لبنان من تفجيرات , ولا ما في الأردن من مسيرات ّأو مظاهرات, أو ما في ديار العرب من صيحات واستغاثات.كيف أستقبلك يا عيد والفساد ينخر عظامنا, ويمتلك زمام أمرنا ويفسد عيشنا.أناس يعيشون تحت مستوى الكفاف , والبعض يولدون مغمورين بالمليارات.أعتذر منك يا عيد , ارحل لا تقترب , فإني أرى بقدومك للواقع المرير شيئا من تبريكات.لا مجال للمسرّات وتبادل الضحكات , ونحن بعضنا يغرق بالآلام ونفر آخر بالملذات.عذرا ياعيد , كيف يفرح الأطفال بالعيد بين دوي المدافع وقصف الطائرات ورمي الرشاشات والراجمات.والظلم يسود بلا مسوّغات. أسود على بعضنا وعلى العدو كالنعّامات أو بقوة الفراشات.عذرا ياعيد فالوطن جريح ,ومجال القتل فيه فسيح. أما آن لنا أن نستريح ؟

عذرا يا عيد لا تقترب فقد تتأذى ممّا بنا , يكفي ان ترقب ما بنا من بعيد إذا لم تقرّر الرحيل.وكلّ عام وأنتم بخير أيها المعذبون . اعاده الله على أمتينا العربية والإسلامية وهي في أحسن حال وأهدأ بال, وبخلاص من الشر وصانعيه والظلم والأوحال.عذرا يا عيد , عذرا يا عيد.

24/10/2012