تقديم الديوان الخامس (الوقائع والبدائع )
لمؤلفه الدكتور شفيق ربابعه

تقديم :د. شفيق عجاج بني مفرّج

الشاعر شفيق ربابعة , أعرفه وأعرف أسرته.أمّا هو فأعرفه تلميذا فضابطا في القوات المسلحة, فطالباً جامعيّا فمدرّساً في جامعة اليرموك, وفي كلّ كان لامعاً خُلقاً وتحصيلاً.أمّا أسرته , فكان أبوه مزارعاً نشيطاً يؤمّن لأسرته الحياة الكريمة من عرق جبينه , وكانت والدته امرأة حازمة , قد تفرّغت لتربية أبنائها , وقد أنشأتهم على عزّة النفس وحسن الخلق والإعتماد على الذات.

التحق بجامعة اليرموك بقسم الصحافة والإعلام وحصل على المرتبة الأولى , وابتعث للحصول على درجتي الماجستير والدكتوراة الى الولايات المتحدة الأمريكية على نفقة اليرموك. وبعد حصوله على الماجستير عاد لسبب طاريء على أمل ان يتابع لدرجة الدكتوراه لاحقا.عيّن مدرسا بقسم الصحافة وألغيت بعثته للدكتوراه بعد تغيير الإداة في الجامعة بحجّة العمر.لكنه اعتمد على نفسه وحصل على الدكتوراة من جامعة أخرى أثناء العمل , ولم يعدّل وضعه كدكتور ,فأثّر هذا على نفسه ونحن نلمح هذا الأثر في شعره مابين تلميح وتصريح.

في دراسة سريعة لشعره

يحتوي هذا الديوان على مئة وثلاثين قصيدة , وعليه فليس من المعقول أن يُلمّ المرؤ بدراسة هذا العدد من خلال هذا التقديم ولكن أعرض له بإيجاز آمل أن لايكون مخلاّ.

إنّ أكثر قصائده, كان قد أنجزها خلال عام 2013 , أي بمعدّل احدى عشرة قصيدة في الشهر. وهذا يشير الى أنّ شاعرنا تتداعى عليه الأفكار, فيصوغها بألفاظ قريبة المأخذ لا يُحتاج لفهمها كدّ الأذهان, لأنه يريد أن يتواصل مع قطاعٍ واسع من المجتمع.

إنّ الأديب ينبغي أنْ يكون ملمّا في مستويات اللغة العربيّة الصوتية والصرفية والنحوية والدلالية والحس العروضي ان كان شاعرا.وإنّ مفهوم الأدب في أيامنا يعرضه شوقي ضيف بقوله"هو الكلام الإنشائي البليغ الذي يُقصد به التأثير في عواطف القرّاء والسامعين سواءٌ أكان شعراً أم نثراً ".وإذاً فاللغة على مستويين:الأدبي وهو الذي يشمله التعريف السابق, والإعلامي وهو الأسلوب المبسط من اللغة الفصيحة الذي يهدف إلى توصيل المعلومة إلى جميع أفراد المجتمع المقصود.فإذا تذكرنا أنّ شاعرنا إعلامي, فينبغي أن نتوقع أن تكون لغته مبسّطة يهدف من ورائها التواصل مع مجتمعه بمختلف مستوياته الثقافيّة.ونحن لا ننسى حينما عابت طبقة الأدباء على بشّار انحدارا في شعره حين قال يمدح خادمته رباب:     رباب ربّة البيت     تصب الخلّ في الزيت

             لها عشر دجاجات     وديك حسن الصوت

قال لهم : إنّ رباب تطرب لهذا الشعر كما تطربون أنتم لشعر امريء القيس , وهو يعني بذلك : أنّ لكل شعر أتباع.

كذلك لاننسى أحد أفراد الطبقة الشعبيّة حين عاب على أبي تمام شعره إذ سأله: لماذا لاتقول ما لا يفهم؟فأجاب:لماذا لاتفهم مايقال؟ وإذاً فهناك تباين في مستوى الأداء في الشعر.ذلك لأن الطبقة الشعبيّة من الناس- وهي قاعدة الهرم – قد نشأت على تقاليد تواضعوا عليها.وعليه فإنهم ينفرون من الشاعر الذي يخرج على تقاليدهم.

إنّ الشاعر شفيق ربابعه شاعر شعبي غير متخصص بآداب العربيّة لكنه ذو موهبة شعريّة فذّه . وهو يكتب للجمهور وما ينبغي لمن يكتب للجمهور أن يتوعّر في المفردات والتراكيب والصور المعقّدة, فمجتمعنا الحالي ليس على استعداد أن يطيل التأمل لفهم بيت من الشعر أو رمزيات الشعر الحديث.وبذلك نراه يبني قصيدته دون تكلّف وهذه ميزات الشاعر المطبوع. وقد حوت قصائده الصور الحسيّة والتجريديّة القريبة المأخذ.

مضامين شعره : في ما يلي أبرز مضامين شعره يإيجاز:

1 . الإنتماء الديني: من ذلك قوله: يا رب يا رحمان وحّدنا كالإخوان

كي تقوى شوكتنا ونكون كالطوفان

يارب يارحمان أنصرنا بالقرآن

فهو يطلب من الله أن يتوحّد المسلمون تحت راية القرآن لتقوى شوكتهم . وفي موضع آخر يقول :

سدّد خطاي وألهمني محبته بالدين نرقى ومما نابنا وجل

فهو يؤمن كغيره من المسلمين المخلصين أن الأمة ترقى بالعودة إلى الدين ويخشى على الدين مما ناب الأمة من مصائب ويقول في ذلك :

المسلمون يسجّنون وقُتّلوا أحزاب كفر عاضدات الطغمة

فهناك أحزاب تعضد الطغاة ضد المسلمين .ويرى أنّ الخلافة مصدر قوّة المسلمين. يقول: فيها تُوحّد أمّة ومعزّة لو يؤمنون

لكن المسلمين هجروا القرآن واستعاضوا عنه بالأحزاب يقول

قرآن مهجور علنا   والدين تحوّل أحزابا

2 الإنتماء القومي

إنّه يدرك أنّ قوة الإسلام في قوّة العرب لذلك يقول لهم:

فتأهبوا وتوحّدوا   كم بالتوحّد تُرهبون

لذلك ما ينبغي أنْ يتفاءل العرب فيقول:

عارٌ على أعرابنا   يتقاتلون بلا أرب

إنّ هذا القتال هو نتاج فتنة من أعداء العرب يقصد بها إضعافهم , يقول:

في أرض يعرب فتنة مقصودة بين الطوائف تحصد الآجالا

ويقول " بأرض العرب ويلات   ولا توحيد يُقترح

يشير بذلك إلى ماجرّه الربيع العربي من حروب داخليّة ولا رئيس دولة منهم يقترح وحدة العرب.

3 . الإنتماء الوطني

وقد عبّر عنه من خلال نوعين من الشعر: الشعر العامي والشعر الفصيح.

أ‌.                  الشعر العامي ومنه قوله في الطفلة السلطية:

شايف فيك الأصاله   والك أحلى غنيّه

هذا لبس الأصايل   والدامر والكوفيّه

ومنه قوله في أهزوجة بلدي :

الوطن غالي غالي   وروحي إله هديّه

والأردن مهد الأبطال   مايقبل بالدنيّه

ب‌.             الشعر الفصيح : أغلب ديوانه في الثورة على الفساد, ومن ذلك قوله:

من ثلجة فشلوا بما هم خطّطوا

أين الكبار وأين كلّ اداري

ومنها : يا رب أنت إلهنا وملاذنا

فالحلّ أمسى في يد السمسار

وقال : زادت ضرائب كلّ شيء في الحمى

وغدا رصيد أقلّة أطنانا

4. الغزل : ورد في ديوانه عشرون قصيدة في الغزل من أصل مائة وثلاثين قصيدة أي نسبة 16% من الديوان و 84% بقيّة الموضوعات.والممعن في قصائده الغزليّة يدرك أنه لا يحسّ بلوعة الحب مما يدلّ على أنّه استخدم قصائده الغزليّة كمحطات ترويحيّة نتيجة الإنهاك المتتابع في إنشاء القصائد الإجتماعيّة.فهو فيها أميل إلى الوصف من توضيح آثار العشق في النفس الملتاعة دلالة على أنه شاعر اجتماعي لاغزلي.

كان شعره الغزلي على نوعين: فصيح وعامي وفلسفته في الحب أنه رزق يسوقه الله لمن يشاء .يقول من الشعر الفصيح:

إنّ الحياة مودّة وتفاهم ومسرّة والحب كالأرزاق

ويقول : الحب عطاءٌ وصفاء     وولاء ليس هبات

فالحب عطاء وصفاء وولاء من الطرفين وليس هبة من طرف واحد . أما الشعر العامي فهو مصنوع على أوزان الأغاني الوطنية مثل ديرتنا الأردنيّة , فألّف قصيدة على وزنها هي:

تسلم لي هالسلطيه   بنت صغيره وبهيّه

فيها الحلا بيتكلم   نشميّه أردنيّه

ومن غزله في العاميّة ما يصلح للقصيد على الرباب ومن ذلك قوله:

ان كان البعد قرّب ينتهي أعمل له تراتيب

وكون متوكد مهما غبت عمري ماخونك

ماتقول يازين شو طعم البعد والهجر مش عيب

وكل يوم بتغيب عني مثل دهر شو الرد يا عونك؟

5. الرثاء : وقعت له في هذا الديوان على قصيدتين للرثاء : الأولى في حاكم الفايز ومنها:

من قال حاكم قد توفي مخطيء هو كائن مابيننا مذ كانا

كلّ العروبة أرضه وبلاده أينا تنقّل يفتدي الأوطانا

الشاعر ينظر الى المرثي من زاوية قوميّة فهو واحد من أمته العربيّة . وقصيدة الرثاء الثانية في الشاعر عاطف القراية فيقول فيها:

أأعزي أقواما فزعوا   أم قراية أم أمتنا

فهو ينظر إليه أيضا من زاوية قوميّة , فهو يرى أن الأمة العربيّة شريكة في الحزن. وقد أطلعت على عدد من قصائد رثاء في دواوينه الأخرى برثاء الوالد والأخ وابن الأخ والزوجة وطفل له جنين.

6. التظلّم: شعوره بالظلم ناتج عن حالتين:عن وضعه الخاص بالجامعة وعن طبعه العام. فأما في الجامعة فهو يرى أن ادارة الجامعة تنحرف عن المسار الصحيح الذي بدأت به فهو يقول :

فاصبر وصابر لن تضيرك كبوة فمسيرة اليرموك قد تستأنف

وإن أسباب الفشل الإداري في رأيه هو أنّ الكفاءات قد استبعدت من الإدارة فيقول :

أهل البلاغة والفصاحة حُجّموا والفهم حوصر ذاك زاد عذابي

ويرى أنه قد ظُلم وان ظلمهم اياه ابتلاء ولهم مقاصد في ظلمه أشد من الحاصل . يقول:

إنْ كنت قد عانيت ظلما بيّنا فهو ابتلاء والمقاصد أعنف

وهو يشير بهذا الى الغاء بعثته للحصول على الدكتوراه كما أقرته الإدارة الأولى للجامعة.وهو يرى أنه لاينقصه شيء إلاّ أن حظه عثر به فيقول عن نفسه:

كلّ مافيّ انتماء   غير أنّ الحظّ زفت

ويلاحظ أنه استخدم تعبير العوام "الحظ زفت " ليكون أشدّ ابلاغا للشريحة الواسعة من المجتمع. أمّا التظلّم عن وضعه العام فهو يتمحور حول موضوعين هما الفساد المالي والفساد الإداري في الأردن والوطن العربي , فهو يقول فيهما :

زادت ضرائب كلّ شيء في الحمى وغدا رصيد أقلّة أطنانا

ويقول:       ففقر الشعب يقتلني وإنّ الظلم وافاني

ويقول : قد ضاعت الثروات في أرجائنا سارت بدرب الظلم للأوغاد

ويقول في الصمت عن الناهبين والتشهير بسارق اليسير يقول متهكّما:

إجرام من يسرق دينارا   أو دولارا ذا تقصير

إعدام أو سجن أبديّ   أمّا مليارٌ ليس كثير

ويقول في فساد رجال الدين ممن أفتوا بقتل المتظاهرين فيقول:

وقد أفتى الأئمة في أمور بها ظلم لتأزيم القضايا

وكم أفتوا بقتل خيار قوم وإيم الله في هذا خزايا

وقوله في الزعماء:

هم الأسياد وانحرفوا كثيرا وكم فسدوا أساءوا للشعور

وقوله:ضاعت كرامتنا وديست هامنا وتحكّم الفسّاد في أعمالنا

       لاعدل لاإصلاح في أيّامنا أهل المراتب حطّموا آمالنا

وهو نتيجة لهذا الفساد والظلم المستشري يخاطب حبيبته فيقول:

لاتبكني إن قيل مات بجبهة أو تحزني فأنا بذاك أفاخر

قدري أثور على الفساد بعيشتي وإلى عدو الله إنّي سائر

هذا سبيلي أن أكون مجاهدا أو ثائرا ضد الضلال أجاهر

الصورة في شعره : من سمات شاعرناأنه لايصبر لصقل شعره وتهذيبه , لأن المزاج النفسي هو الذي يملي على الشاعر الطريقة التي يقول بها شعره , وهذه سمة الشاعر المطبوع. وإنّ أهم ما سار عليه أصحاب مدرسة الطبع هو قرب الصورة الحسيّة والوضوح وثراء العاطفة , وشاعرنا من هذه المدرسة مع العلم أنه لم يتأثر بأحد من الشعراء وإنّ ثقافته اللغوية مستمدة من مصادر الإعلام والحياة العسكريّة وجهده الخاص. ولذا فإنّ شعره يقوم على البساطة في التعبير.ويمكن القول أنه يعرض أفكاره بالأساليب التالية:

الصورة بالكلمات , والصورة المجرّدة , والصورة الحسيّه.

أمّا الصورة بالكلمات وهي التي تصوّر الحدث بدون استخدام الصور البلاغية , فمن ذلك قوله:

فصار الجيش يقصف بالأهالي وأخلى الجيش أنحاء الثغور

وقوله :
أنظر بيوت الأهل كيف تدمّرت وغدا العمار بأرضنا أطلالا

فنحن نرى في البيت الأول صورة الجيش وهو يخلي الحدود ويقصف الأهالي , وفي البيت الثاني نرى بيوتاً مدمرّة ونرى العمار الشاهق صار بقايا عمار. كما نرى فيها المصطلحات العسكرية وهي الإخلاء والثغور والتدمير.
وأما الصورة المجردة وهي الصور المجازية كقوله:

أهل المراتب حطّموا آمالنا . فالآمال ليست مادة تتحطّم ولكنه على سبيل المجاز جعلها مادة قابلة للتحطيم.وقوله :

سواد كلّ عيشتنا.فليست العيشة ذات ألوان , ولكنه جعلها كذلك مجازا.

وقوله:لما التقيتك ذبت في قسماتكم . فجعل نفسه مادة قابلة للذوبان تتشربها قسمات الحبيب . وهذا على سبيل المجاز.

أمّا الصورة الحسيّه :وهي التي يتعرّف عليها بإحدى الحواس كقوله:

كثر الجنائز بيننا مثل الحصى . فالجنائز مثل الحصى بجامع الكثرة , والحصى مادة محسوسة.وقوله:

قد خلتها قمرا منيرا.فوجه المحبوبة كالقمر المنير بجامع البياض والإستدارة.وصورة القمر ترى بالعين والقمر محسوس بصرياً.

وهناك صورة حسيّة مبالغ فيها كقوله في الإثداء:

والصدر فيه من التلال كثير.ومثله قوله في الصدر:

وقبابه تغوي وقدّك ألطف.

وختاما أقول: إنه شاعر شعبي مطبوع وذو عاطفة جيّاشة وشعره عموديٌ موزون وأتمنى له التوفيق.

د. شفيق عجاج مفرّج

20/5/2014