نوبة جنون

أعتذر من القراء الكرام , كوني أكتب وأنا في حالة من الهستيريا, أو اللاوعي,

بعد نوبة جنون أصبت بها,مذكّرا أنْ ليس على المجنون حرج.

والغريب أن الجامعة العربية , أو تأسيسها أو نشوئها بما فيه ميثاقها العتيد ,

ونشاطها الفريد , ودورها المجيد , ورأيها السديد بما يجري فوق الساحة العربية ,

هالني وأذهلني , وأوصلني لما وصلت اليه من حالة وصفت بالهستيرية.

واليوم أدركت , وكما يرى البعض ,أن تأسيس الجامعة العربيّة كان إيذانا بتفريق

الجهد العربي, ومؤامرة لتشتيت الأمة , وقتل الآمال بالوحدة مابين تلك الأقطار,

وتبريك وتجذير للقطرية التي باتت لاانفكاك لها. وتجسيد حقيقي وترجمة فعلية ,

لمؤامرة سايكس-بيكو المؤلمة , ذائعة الصيت وليأخذ التفتت طريقه لها عاجلا أم آجلا,

, كما شهدنا ونشهد أو ماسنشهد لاحقا في القادم من الأيام . حيث بدأ كل قطر يغني

على ليلاه, ما دام لايحق لقطر عربي , أن يتدخل بشؤون قطر آخر ,ولو على سبيل

النصح أو الإرشاد, أو الحرص على مقدرات الأمة أو حياة الشعوب. أو لتعزيز

الديموقرطية فيها نهجا .

من هنا , بدأ قادة الكثير من الدول وحكامها , ممن وصل أغلبهم لسدة الحكم

بانقلابات عسكرية , أو أوجدتهم ظروف أو جهات ساعدتهم للوصول لسدة الحكم ,

وتأسيس أنظمة حكم معروفة في المعمورة أو غير معروفة , لتموت شعارات الوحدة ,

وليصبح كل قطر يتغنّى على ليلاه. ويتفرج على مايجري هنا وهناك فوق الساحات العربية.

ودارت عجلة الزمن, وعاشت بعض الشعوب في كابوس بغيض , وبعضها أقل فضاعة وإيلاما.

فعم الفساد , وزاد الظلم , وجيّشت الجيوش التى أعدّت وسلّحت عبر عشرات السنين

لإستعادة الحق العربي, وإذا بها تتحوّل لتحمي نظاما أو شخصا بعينه.

وظهرت مسميات جديدة كالشبيحة والبلطجيّة والمرتزقة, تشيع في الأرض فسادا وتقتيلا.

وهنا تفاوتت الحياة بين الشعوب وظهرت الطبقية , وتجذّرت المحسوبية, لتعيش

طبقة من المجتمع فوق السحاب , وطبقات أخرى في الحضيض , ودونهم من تحت

الثرى.وشاع الظلم وظهر الإستبداد , وزاد أنين الشعوب , فبدأت تئن وتتملل وتصرخ ,

كل يعبر بطريقته. وتعالت الأصوات منادية بالإصلاح , للحد من الفساد ولتقليل درجات

الفقر وحالات البطالة .والجامعة العربيّة تتفرج أو تتعامى , أو تنظر لميثاقها بعين

المشفق أو المسرور. فيقوم أمينها العام بجولات قد تلقى الترحيب حينا , أو لا تلقى

أحيانا. وقد لا يسمح له أصلا بالقيام بالزيارة , إلّا بعد أن يُسمح له ولو بعد حين .

باتت الفروق في حياة الشعوب متباينة , ودرجات الظلم والإستبداد والتسلط والفساد

متنوعة , كما هي الإختلافات بالأنظمة , وجاء عصر الإنترنت واليوتيوب والفيس بوك

والتوِتر وغيرها من وسائل التواصل الإجتماعي, وتنوعت وسائل الإتصال وتطوّرت ,

وتحرر بعضها من سيطرة الحكومات ورقابتها. وأصبح الناس قادرين على النشر ,

ومتاح للبقية الإطلاع , ولم تعد الحكومات قادرة على منع النشر عبر كثير من الوسائل.

ليصبح البوعزيزي منارة وعلما وقضية وحالة أمام مرأى العالم كلّه وبصره – مع أن

هناك اكلثيرون قضوا نحبهم مثله , أو تعذيبا لم يدري بهم أحد.

بدأ الناس يتفكّرون , ويقارنون , ويعلمون بما يجري هنا وهناك, وأخذوا يتولولون ,

ثم يصيحون , وأخيرا أصبحوا ثائرين. ونادى بعضهم بالإصلاح , ولم يفلحوا ,

ثم نادوا باسقاط النظام , ثم اعدام هذا , أو قتل ذاك. وهنا تجلّت ردود الفعل على

تلك الصيحات والمطالبات , فتحولت الساحات إلى ركام, وقصف المتظاهرون ,

وهدمّت المساكن والمساجد , واستغلّ الجيش بأكثر من مكان ليقصف الشعب ,

وقوى الأمن لتقتل وتعذّب وتعتقل , وزادت درجة التشبث بالكرسي لأبعد الحدود.

مهما بلغت التضحيات , واستماتت الشعوب وتحملّت من الويلات كما كان أو كما هو

كائن. فكم كلّف بقاء حاكم أو تشبثه بالكرسي بضعة شهور ؟ كم من الضحايا من

الطرفين وكم من المقدرات ,وكم من التخريب والهدم , وكم , وكم . إلى متى ستبقى

شهوة البقاء على الكرسي فوق كل الإعتبارات.وليقتل في سبيلها من يقتل ,

ولو دمّر الوطن بما حوى. فلنتعتبر يا أولي الألباب.

هناك نفر ممن أصيبوا بنوبات جنون يتطلّعون الي الجامعة العربية وميثاقها

ودورها , وهم في حالة من الهستيريا أمثالي. وسبحان الله , إليه ترجع الأمور .

وكل من عليها فان. ولا حول ولا قوة إلّا بالله. إنّا لله وإنا إليه راجعون , فلنترحم

على أرواح الشهداء . وقانا الله شرّ القادم